السياحة في سوريا رحلة تقود الى اعماق التاريخ والحضارات وجمال الطبيعة وطيب الناس.
تعتبر السياحة فى سوريا رحلة في أعماق التاريخ والحضارات المتميزة بجمال الطبيعة بجبالها وسهولها وغاباتها وباديتها وبحرها ورحلة في الأسواق والمصانع والمهارات البشرية والفرص الاستثمارية وفي الثقافة والفن وحتى في المأكولات الشهية.
ان سوريا قبلة السياح بجميع فئاتهم سواء كانوا عائلة او رجال اعمال او باحثون اكاديميون او من المهتمين بالمزارات الدينية أو الراغبين بالراحة والاستجمام.
ومع صعوبة تسليط الضوء على هذا التنوع الكبير في الاماكن السياحية والعملية المفتوحة امام السائح في سوريا فان موجزا لبعض هذه الاماكن قد يوضح جانبا من هذا الثراء السياحي.
فمن الجانب التاريخي تضم سوريا آثارا يبلغ عمرها الاف السنين تعود للعصور القديمة عندما استقر الانسان في وادي الفرات في العصور الحيثية وفي الغابات التي كانت تكتنف وادي العاصي.
وكان خبراء الاثار قد اكتشفوا موضعا سكنيا واضح المعالم يعود للعصر الحجري الحديث (النيوليتيك) عند سد نهر الفرات والذي استوطن واقام فيه الانسان منذ احد عشر الف عام وهو أقدم مكان استقر فيه الانسان معروف حتى الآن.
جدير بالذكر ان الملك البابلي الشهير حمورابي شن حربا على هذه المنطقة واحتلها عام 1750 قبل الميلاد كما تم اكتشاف أكثر من عشرين ألف رقيم مكتوب باللغة المسمارية والاكادية.
ومن جهة اخرى هناك اكتشفات لاثار مملكة ايبلا ومدينة أوغاريت في موقع رأس الشمرا شمالى اللاذقية بالاضافة الى اثار من العصر الارامي والروماني في مدينة دمشق ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما زال الشارع الطويل ومدخل المدينة والسور وآثار معبد جوبيتر قائما.
وفى تدمر شواهد تاريخية على قيام حضارات متعاقبة وكذلك في بصرى وأفاميا وغيرها كثير من الحضارات العريقة وما أقامه العرب المناذرة والغساسنة من أديرة وكنائس والتي مازالت آثارها قائمة حتى اليوم.
ويعد العصر الاسلامي من تاريخ سوريا العريق أطول وأهم المراحل ويبقى الجامع الاموي اكمل واقدم الشواهد الاسلامية على اهمية دمشق كاول عاصمة اسلامية لاكبر دولة عربية في التاريخ بالاضافة الى قلعة حلب التي بنيت في العصور الاسلامية اللاحقة واعيد ترميمها.
وتعد دمشق اقدم عاصمة ماهولة فى العالم حيث تدل الحفريات الاثرية ان الاستقرار الانسانى فيها يعود للالف السابع قبل الميلاد في التلال المحيطة بالمدينة فقد استوطن تل اسود فى الالف السابع قبل الميلاد فيما استوطن تل الصالحية وتل الغريفة وتل الخزامى وتل الرماد فى الالف الخامس قبل الميلاد.
وظهر اول ذكر لدمشق فى لوائح مملكة مارى فى الفترة 2500 قبل الميلاد باسم "دمشقا" ثم فى الواح مملكة ايبلا في 2400 قبل الميلاد باسم "دامشقي" ثم في أرشيف تل العمارنة في وادي النيل "أخيت آتون" أو أفق الشمس.
واطلق على دمشق في عام 1480 قبل الميلاد خلال فترة تواجد الفرعون المصري تحتمس الثالث (من الاسرة 18) في سورية بـ"تمشق" أو "تاماشقو" وضمت إلى لائحة المدن التابعة لمصر كما ورد ذكرها في عهد الفرعون أمينوفس الثالث.
وتضم المدينة جوامع وكنائس هامة جدا يؤمها المؤمنون من كافة أنحاء العالم لقدم بنائها وقدسيتها الدينية كما توجد فيها أضرحة شخصيات مهمة لعبت دورا تاريخيا كبيرا بالاضافة الى القصور القديمة والتي تعد تحفا معمارية.
وتغص العاصمة السورية بالاسواق التجارية الهامة والتى تعرض بضائع متنوعة سواء كانت مصنوعات اجنبية او عربية او صناعات تقليدية وشعبية كما تقدم المطاعم المقامة في بيوت تقليدية دمشقية أطباقا شامية شهية تجذب الزوار.
وللمهتمين بالثقافة فان المدينة تزخر بالصروح الثقافية كالمكتبات الوطنية القديمة والحديثة وتقام فيها المهرجانات الثقافية والفنية سنويا اما رجال الأعمال فتعقد معارض دولية تشارك بها مؤسسات وشركات وحكومات عربية وأجنبية.
وتعرض المتاحف الكنوز الاثرية السورية المكتشفة فيها وتحكى قصص اجيال وحضارات تعاقبت على مدار الاف السنين ولا ننسى الحمامات الدمشقية التي ارتبط اسم دمشق بها.
وتضم العاصمة أيضا قصر العظم الذي شيده والي دمشق أسعد باشا العظم عام 1749 على طراز العمارة الدمشقية ويتكون البناء من ثلاثة أقسام الحرملك والسلملك والخدملك وبقي هذا القصر مسكنا خاصا لال العظم حتى عام 1920 ثم استملكته الدولة على عدة مراحل وحول الى متحف للتقاليد الشعبية في عام 1954.
وتشتهر دمشق بالاسواق الشهيرة مثل سوق الحميدية الذي يمتد سوق بجوار القلعة ويبلغ طوله 600 مترا وعرضه 15 مترا وقد أقيم في العصر العثماني على مرحلتين وهو سوق مغطى بالكامل بسقف من الحديد بعد أن كان من الخشب.
ويؤم عدد كبير من الزوار سوق الحميدية لتنوع البضائع المباعة فيه من حرير ومطرزات وسيوف دمشقية اضافة الى البروكار والصناعات الخشبية والجلدية. وعلى الصعيد نفسه هانك سوق البزورية وهو سوق قديم مغطى ورد ذكره في العهد المملوكي ويزخر بالأبنية الأثرية وأهمها حمام نور الدين زنكي المشيد عام 1171 وخان "أسعد باشا العظم" المشيد عام 1749.
وتزدهر في السوق اليوم تجارة التوابل والسكاكر والمجففات والشاي والبن بالاضافة الى محلات العطارين وهناك ايضا سوق الصاغة الذي يقع بين الجامع الأموي والبزورية وهو سوق كبير متخصص ببيع وصياغة المجوهرات الذهبية والفضية.
ويتجه السياح خارج دمشق وفي المنطقة المحيطة بها والتي يطلق عليها ريف دمشق إلى مصيف بلودان وهو قرية سياحية ترتفع 1400 متر عن سطح البحر وتطل على سهل الزبداني وتتميز بالمناظر الطبيعية والجو المعتدل والاشجار المثمرة لا سيما التفاح والكرز كما تضم عشرات الفنادق والمقاهي والمطاعم والمنتزهات.
وبالقرب من بلودان وفوق مرتفع من الأراضي يقع مصيف الزبداني الذي يبعد 44 كيلومترا عن دمشق ويعمل سكانها بزراعة أشجار التفاح واللوز والاعتماد على السياحة لتميزها بجو نقي وجمال طبيعتها.
وعلى بعد 65 كيلومتر شمال شرق دمشق تقع معلولا إحدى قرى جبال القلمون على ارتفاع 1650 مترا وتعني كلمة معلولا في اللغة السريانية الممر الضيق أو المضيق ولايزال سكان معلولا وبخعا وجبعدين يتكلمون هذه اللغة بالاضافة الى اللغة العربية.
ويوجد في معلولا عدة كنائس أهمها كنيسة دير مارتقلا ودير مارسركيس كما يوجد في معلولا مجموعة من المغاور الطبيعية والاصطناعية التي حفرها سكان معلولا الاوائل اضافة الى الفج الذي يخترق الجبل ويرتبط بالقديسة تقلا.
وفى المناطق الوسطى السورية يمكن زيارة مدينة حمص والمصايف التابعة لها ومنها مرمريتا وصافيتا بالاضافة الى القلاع المحيطة ومنها قلعة الحصن التي تجسد الفترة الصليبية والمملوكية وتحتل القلعة موقعا استراتيجيا هاما حيث يطل على الطريق التي تصل الساحل السوري بالداخل.
وكان احد امراء مدينة حمص عام 1031 قد اقام حصنا صغيرا لمراقبة تلك الطريق وعرف باسم "حصن الأكراد" نسبة إلى حامية كردية كانت تشرف على الحصن وتعمل لصالح أمراء مدينة حمص وفي عام 1099 ميلادي احتل الصليبيون الحصن لفترة قصيرة ثم عادوا لاحتلال الحصن من جديد عام 1110 وكان على رأس جيشهم الكونت تانكرد كونت انطاكيا.
ومنح صاحب طرابلس الكونت ريموند الثاني في عام 1142 ميلادي الحصن الى الاسباراتيه الذين قاموا ببناء القلعة على مراحل كما اضطروا الى اعادة بناء اقسام كبيرة من القلعة التى تهدمت نتيجة الهزات الأرضية التي ضربت القلعة عامي 1157 و 1170 ميلادي.
وحاول العرب المسلمون تحرير القلعة مرات عدة لانها كانت تشكل خطرا على المدن السورية القريبة منها لا سيما حمص وحماة ومن اهم القادة الذين حاولوا الاستيلاء على القلعة نور الدين زنكي عام 1163 ميلادي وصلاح الدين الأيوبي في عام 1188 الذي حاصر القلعة لمدة شهرين دون أن يحالفه النجاح في الاستيلاء عليها.
وتمكن المسلمون من الاستيلاء على القلعة عام 1271 على يد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس.
وتتالف القلعة من ثلاثة اقسام وهي السور الخارجي وزود بابراج دفاعية وبطلاقات للسهام للدفاع عن القلعة من كافة الزوايا بالاضافة الى الاسطبلات اما القسم الثانى فيحتوى على قاعات عدة وكنيسة صغيرة حولت الى مسجد في العهد الإسلامي إضافة إلى المخازن والمطبخ وقاعة الطعام.
ويتالف القسم الثالث من مجموعة من القاعات الخاصة بالجند اضافة الى ثلاثة ابراج ضخمة خصص احدها لسكن قائد القلعة ولعل اجمل قاعاتها هي القاعة الكبرى كما توجد عدة قاعات وقد بنيت على الطراز القوطي عام 1250 وشيد المسلمون برجين في الجهة الجنوبية في عهد السلطان بيبرس إضافة إلى أعمال ترميم واسعة.
وفى الطريق الى اللاذقية يقع مصيف غاية في الجمال هو "مشتى الحلو" الذي تحيط به غابة من الاشجار الطبيعية والمثمرة كأشجار التوت لتربية دودة القز وفيها معمل للحرير الطبيعي وحديثا اتجهت الى زراعة التفاح واللوزيات وتضم مجمعا سياحيا ضخما.
وعلى مسافة قريبة شمال حمص تقع مدينة حماه الشهيرة بنواعيرها وهي عبارة عن أدوات قديمة للرى استخدمت لايصال المياه إلى الدور والمساجد والحمامات ولري البساتين المجاورة.
وتصنع النواعير بالكامل من الخشب وتثبت على دعائم من الحجر وتدور بوساطة قوة تيار النهر فترفع المياه الى مستوى القناة التي تجر المياه بوساطة علب خشبية مثبتة ضمن اطار الناعورة.
كما تشتهر حماة بتزويد المناطق المحيطة بها بالاغنام ومنتجات الالبان كالاجبان والدهن البلدي والحلويات -وشمال حماة تقع العاصمة الاقتصادية والصناعية لسورية وهي مدينة حلب والشهيرة باسواقها القديمة و "قلعة حلب" الشهيرة الواقعة على تل طبيعي والتي أقامها السلوقيون واعقبهم الرومان في استخدام المكان كموقع عسكري.
وفي العصر الاسلامى كان للقلعة أهمية عسكرية حين حاول البيزنطيون احتلال سورية مجددا الا انهم ووجهوا بمقاومة الحمدانيين والمرداسيين في القرن العاشر، ومع الاحتلال الفرنجي ازدادت الأهمية الدفاعية للقلعة حيث قام الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي بتنفيذ مشروع تحصين مدينة حلب واضعا القلعة في شمال السور كنقطة ارتكاز رئيسية.
وفى حلب يوجد الجامع الاموي الذى يعود مشروع بنائه للخليفة الوليد بن عبد الملك باني جامع دمشق غير ان البناء اكتمل في عهد أخيه سليمان (715- 717م) وفي عام 1169ميلادي دمر نقفور فوقاس الجامع وأحرقه ثم أعاد نور الدين الزنكي بناءه.
وتمتاز مدينة حلب المبنية على مفترق طرق التجارة وأهمها طريق الحرير وكانت أسواقها المغطاة تستقبل البضائع من الشرق ومن الغرب وتكثر فيها الخانات والمحلات ومصادر المياه والمساجد والمرافق الضرورية.
وتتوزع الاسواق وفقا لنوع البضائع على جانبي السوق الرئيسية الممتدة من باب انطاكي وحتى القلعة كما تضم المدينة القديمة خانات حيث كان يقيم فيها التجار القادمين لحلب كما تعود دورات المياه العمومية للقرن الثاني عشر وقد رممت في القرن الرابع عشر.
وتضم مدينة حلب الحمامات القديمة وأشهرها حمام النحاسين الذي يعود بناءه الى القرن الثاني عشر غير ان الترميم الذي تم فيه غطى معالمه القديمة وهو من أقدم الحمامات التي ما زالت تعمل في حلب.
ومن حلب الى اللاذقية برا يمر السائح بأجمل الغابات وهي "غابات الفرنلق" الكثيفة وأهم أشجارها الصنوبر والغار والدلب والكرز البري وفيها ينبوع ماء يؤمن مياه الشرب وتستقبل العديد من المطاعم والمقاهي السياح القادمين الى المدينة.
ومن مصايف اللاذقية مصيف "كسب" الذي تحيط به غابات كثيفة من أشجار الصنوبر البري والحلبي ويعتمد سكانها على الزراعة فوق المدرجات لإنتاج التفاح والعنب وتضم مجموعة من الفنادق والشقق المفروشة والمقاصف والمقاهي كما تشتهر بصناعة صابون الغار.
وبالرغم من ان شهرة مدينة اللاذقية تستمد من كونها اكبر ميناء سوري يطل على البحر المتوسط وبغاباتها وبالجبال المحيطة بها وبمصايفها الجميلة إلا أن أعمال التنقيب في التل الأثري "رأس شمرا" عام 1929 ميلادي أدت إلى اكتشاف مدينة "أوغاريت" التي كانت عامرة ومزدهرة في منتصف الألف الثانية قبل الميلاد وهي واحدة من أهم مدن الممالك السورية وكانت مركزا تجاريا وزراعيا وصناعيا هاما على الساحل السوري.(كونا)
تحياتى لكم
اياكو